فصل: بَابُ الْمُوَادَعَةِ وَمَنْ يَجُوزُ أَمَانُهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ الْمُوَادَعَةِ وَمَنْ يَجُوزُ أَمَانُهُ:

(وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُصَالِحَ أَهْلَ الْحَرْبِ أَوْ فَرِيقًا مِنْهُمْ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}، وَوَادَعَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى أَنْ يَضَعَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ، وَلِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ جِهَادٌ مَعْنًى إذَا كَانَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ حَاصِلٌ بِهِ، وَلَا يَقْتَصِرُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَرْوِيَّةِ لِتَعَدِّي الْمَعْنَى إلَى مَا زَادَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ خَيْرًا، لِأَنَّهُ تَرَكَ الْجِهَادَ صُورَةً وَمَعْنًى.
(وَإِنْ صَالَحَهُمْ مُدَّةً، ثُمَّ رَأَى نَقْضَ الصُّلْحِ أَنْفَعَ نَبَذَ إلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَبَذَ الْمُوَادَعَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ، وَلِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ لَمَّا تَبَدَّلَتْ كَانَ النَّبْذُ جِهَادًا وَإِيفَاءُ الْعَهْدِ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى فَلَا بُدَّ مِنْ النَّبْذِ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ.
وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فِي الْعُهُودِ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ» وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهَا خَبَرُ النَّبْذِ إلَى جَمِيعِهِمْ، وَيَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ مَلِكُهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالنَّبْذِ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَنْتَفِي الْغَدْرُ.
قَالَ: (وَإِنْ بَدَءُوا بِخِيَانَةٍ قَاتَلَهُمْ وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِهِمْ) لِأَنَّهُمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَقَطَعُوا الطَّرِيقَ وَلَا مَنْعَةَ لَهُمْ حَيْثُ لَا يَكُونُ هَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُمْ مَنْعَةٌ وَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَانِيَةً يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ فِي حَقِّهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَلِكِهِمْ فَفِعْلُهُمْ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُمْ، حَتَّى لَوْ كَانَ بِإِذْنِ مَلِكِهِمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ لِأَنَّهُ بِاتِّفَاقِهِمْ مَعْنًى.
الشرح:
بَابُ الْمُوَادَعَةِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَادَعَ أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَضَعَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ».
قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُمْ اصْطَلَحُوا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ، وَعَلَى أَنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً، وَأَنَّهُ لَا إسْلَالَ، وَلَا إغْلَالَ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مُطَوَّلًا بِقِصَّةِ الْفَتْحِ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ بِهِ، قَالَا: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، لَا يُرِيدُ قِتَالًا، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَكَانَ النَّاسُ سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ، فَكَانَتْ كُلُّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةٍ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: اُكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: لَا أَعْرِفُ هَذَا، وَلَكِنْ اُكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اُكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ، هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، فَقَالَ سُهَيْلٌ: لَوْ شَهِدْت أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أُقَاتِلْك، وَلَكِنْ اُكْتُبْ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضِ»، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرٍو، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَفِيهَا: «فَكَتَبَ: بِاسْمِك اللَّهُمَّ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ»، عَلَى أَنَّهُ لَا إسْلَالَ وَلَا إغْلَالَ، وَأَنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً، الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ فِي أَبْوَابِ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مُرْسَلًا، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَفِي آخِرِهَا: «فَكَانَ الصُّلْحُ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ سَنَتَيْنِ».
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَوْلُهُمَا: سَنَتَيْنِ يُرِيدُ أَنَّ بَقَاءَهُ حَتَّى نَقَضَ الْمُشْرِكُونَ عَهْدَهُمْ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ حِينَئِذٍ لِفَتْحِ مَكَّةَ، فَأَمَّا الْمُدَّةُ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا عَقْدُ الصُّلْحِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ فِي كَلَامِهِ عَلَى غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَجُوزُ الصُّلْحُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ؟ وَحُجَّةُ الْمَانِعِينَ أَنَّ مَنْعَ الصُّلْحِ هُوَ الْأَصْلُ، بِدَلِيلِ آيَةِ الْقِتَالِ، وَقَدْ وَرَدَ التَّحْدِيدُ بِالْعَشْرِ فِي حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَحَصَلَتْ الْإِبَاحَةُ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَيَبْقَى الزَّائِدُ عَلَى الْأَصْلِ، انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي سِيرَتِهِ، عُيُونِ الْأَثَرِ: لَيْسَ فِي مُطْلَقِ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ مَا يَمْنَعُ مِنْ الصُّلْحِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَا فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ مِنْ ذَلِكَ، مِمَّا نَزَلَ بَعْدَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، فَفِي التَّخْصِيصِ بِذَلِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا تَحْدِيدُ هَذِهِ الْمُدَّةِ بِعَشْرِ سِنِينَ، فَأَهْلُ النَّقْلِ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ فَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَشْرُ سِنِينَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ كَانَ سَنَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَائِذٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ مُدَّةَ الصُّلْحِ كَانَتْ إلَى سَنَتَيْنِ، انْتَهَى.
وَفِي كِتَابِ شَيْخِنَا عَلَاءِ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مِسْوَرٍ، وَمَرْوَانَ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ: وَخَرَجَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَقَعَ الصُّلْحُ، عَلَى أَنْ يُوضَعَ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ، وَهَذَا لَيْسَ فِي الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، كَمَا تَقَدَّمَ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقَضَ الصُّلْحَ بَعْدَ الْمُوَادَعَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ».
قُلْت: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ فِي بَابِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَا: «كَانَ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ أَنَّهُ مَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ، فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ، فَمَكَثُوا فِي الْهُدْنَةِ نَحْوَ السَّبْعَةِ أَوْ الثَّمَانِيَةَ عَشْرَةَ شَهْرًا، ثُمَّ إنَّ بَنِي بَكْرٍ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ، وَثَبُوا عَلَى خُزَاعَةَ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا، بِمَاءٍ لَهُمْ، يُقَالُ لَهُ: الْوَتِيرُ، قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ: هَذَا لَيْلٌ، وَمَا يَعْلَمُ بِنَا مُحَمَّدٌ، وَلَا يَرَانَا أَحَدٌ، فَأَعَانُوا بَنِي بَكْرٍ بِالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ، وَقَاتَلُوا خُزَاعَةَ مَعَهُمْ، لِلضِّغْنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ، يُخْبِرُ الْخَبَرَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَنْشَدَهُ: اللَّهُمَّ إنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا إنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِدَا وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُؤَكَّدَا هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدَا فَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا فَانْصُرْ رَسُولَ اللَّهِ نَصْرًا عُتَّدَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُصِرْت يَا عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ فَتَجَهَّزُوا، وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُعْمِيَ عَلَى قُرَيْشٍ خَبَرَهُمْ، حَتَّى يَبْغَتَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ، وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ نَحْوَ هَذَا، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَمْ تَكُنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُمْ مُدَّةٌ؟ قَالَ: أَلَمْ يَبْلُغْكَ مَا صَنَعُوا بِبَنِي كَعْبٍ»؟، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مُرْسَلًا عَنْ عُرْوَةَ وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي مُرْسَلًا عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرِينَ، وَفِيهِ: «فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مُدَّةٌ؟ قَالَ: إنَّهُمْ غَدَرُوا، وَنَقَضُوا الْعَهْدَ، فَأَنَا غَازِيهِمْ»، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فِي الْعُهُودِ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ».
قُلْت: هَكَذَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ، وَالْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ مَوْقُوفًا مِنْ كَلَامِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَيْضِ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ، قَالَ: «كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ الرُّومِ عَهْدٌ، وَكَانَ يَسِيرُ نَحْوَ بِلَادِهِمْ، حَتَّى إذَا انْقَضَى الْعَهْدُ غَزَاهُمْ، فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ، أَوْ بِرْذَوْنٍ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، فَنَظَرُوا، فَإِذَا عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ، فَلَا يَشُدُّ عُقْدَةً، وَلَا يَحُلُّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا، أَوْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ، فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بِالنَّاسِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. انْتَهَى.
(وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ مُوَادَعَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَأَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ مَالًا فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الْمُوَادَعَةُ بِغَيْرِ الْمَالِ فَكَذَا بِالْمَالِ، لَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةً، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَا يَجُوزُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ.
وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَالِ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ، هَذَا إذَا لَمْ يَنْزِلُوا بِسَاحَتِهِمْ بَلْ أَرْسَلُوا رَسُولًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِزْيَةِ.
أَمَّا إذَا أَحَاطَ الْجَيْشُ بِهِمْ ثُمَّ أَخَذُوا الْمَالَ فَهُوَ غَنِيمَةٌ يُخَمِّسُهَا، وَيَقْسِمُ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِالْقَهْرِ مَعْنًى (وَأَمَّا الْمُرْتَدُّونَ فَيُوَادِعُهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمْ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَرْجُوٌّ مِنْهُمْ، فَجَازَ تَأْخِيرُ قِتَالِهِمْ طَمَعًا فِي إسْلَامِهِمْ.
(وَلَا يَأْخُذُ عَلَيْهِ مَالًا) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ لِمَا تَبَيَّنَ (وَلَوْ أَخَذَهُ لَمْ يَرُدَّهُ) لِأَنَّهُ مَالٌ غَيْرُ مَعْصُومٍ، وَلَوْ حَاصَرَ الْعَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبُوا الْمُوَادَعَةَ عَلَى مَالٍ يَدْفَعُهُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِمْ لَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ وَإِلْحَاقِ الْمَذَلَّةِ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ لِأَنَّ دَفْعَ الْهَلَاكِ وَاجِبٌ بِأَيِّ طَرِيقٍ يُمْكِنُ.
(وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ السِّلَاحُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَلَا يُجَهَّزَ إلَيْهِمْ) لِأَنَّ: «النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَحَمْلِهِ إلَيْهِمْ» وَلِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَتَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا الْكُرَاعُ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا الْحَدِيدُ، لِأَنَّهُ أَصْلُ السِّلَاحِ، وَكَذَا بَعْدَ الْمُوَادَعَةِ لِأَنَّهَا عَلَى شَرَفِ النَّقْضِ أَوْ الِانْقِضَاءِ فَكَانُوا حَرْبًا عَلَيْنَا، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الطَّعَامِ وَالثَّوْبِ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ ثُمَامَةَ أَنْ يُمِير أَهْلَ مَكَّةَ وَهُمْ حَرْبٌ عَلَيْهِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ»، ثُمَّ أَعَادَهُ الْمُصَنِّفُ، وَزَادَ: وَحَمْلِهِ إلَيْهِمْ قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ بَحْرِ بْنِ كُنَيْزٍ السَّقَّاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ اللَّقِيطِيِّ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ»، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَفْعُهُ وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، وَقَالَ، الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ اللَّقِيطِيُّ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، وَبَحْرُ بْنُ كُنَيْزٍ لَمْ يَكُنْ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ رَوَى سَالِمُ بْنُ رَزِينٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ الْقَرْقَسَانِيِّ ثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ بِهِ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءٌ، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَيَّنَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَقَالَ: وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِرِوَايَاتِهِ، وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نَحْوَ ذَلِكَ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ فِيهِ غَفْلَةٌ، وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هُوَ صَدُوقٌ، وَلَكِنَّهُ حَدَّثَ بِأَحَادِيثَ مُنْكَرَةٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: قَدْ يُفْهَمُ مِنْ حَدِيثِ خَبَّابُ بْنِ الْأَرَتِّ: «كُنْتُ قَيْنًا بِمَكَّةَ، فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلَ سَيْفًا، فَجِئْت أَتَقَاضَاهُ»، الْحَدِيثَ، إبَاحَةُ بَيْعِ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ، وَهُوَ فَهْمٌ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ قَبْلَ فَرْضِ الْجِهَادِ، وَفُرِضَ الْجِهَادُ، وَالْأَمْرُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ إخْرَاجِ أَهْلِ مَكَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ ثُمَامَةَ أَنْ يَمِيرَ أَهْلَ مَكَّةَ، وَهُمْ حَرْبٌ عَلَيْهِ».
قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ فِي آخِرِ بَابِ حَدِيثِ الْإِفْكِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ قِصَّةَ إسْلَامِ ثُمَامَةَ بِلَفْظِ الصَّحِيحَيْنِ.
وَفِي آخِرِهِ: فَقَالَ: «إنِّي وَاَللَّهِ مَا صَبَوْتُ، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ، وَصَدَّقْتُ مُحَمَّدًا، وَآمَنْتُ بِهِ، وَأَيْمُ الَّذِي نَفْسُ ثُمَامَةَ بِيَدِهِ لَا يَأْتِيكُمْ حَبَّةٌ مِنْ الْيَمَامَةِ وَكَانَتْ رِيفَ مَكَّةَ مَا بَقِيتُ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْصَرَفَ إلَى بَلَدِهِ، وَمَنَعَ الْحَمْلَ إلَى مَكَّةَ حَتَّى جَهِدَتْ قُرَيْشٌ، فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ إلَى ثُمَامَةَ يُخَلِّيَ إلَيْهِمْ حَمْلَ الطَّعَامِ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، مُخْتَصَرٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي أَوَاخِرِ السِّيرَةِ فَقَالَ: وَحُدِّثْتُ أَنَّهُ: «قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَسْلَمَ: وَاَللَّهِ يَا مُحَمَّدُ لَقَدْ كَانَ وَجْهُك أَبْغَضَ الْوُجُوهِ إلَيَّ، فَلَقَدْ أَصْبَحَ الْيَوْمَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إلَيَّ، وَقَالَ فِي الدِّينِ وَالْبَلَدِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ ثُمَامَةُ مُعْتَمِرًا حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ، فَقَالُوا لَهُ: صَبَأْتَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُ خَيْرَ الدِّينِ، دِينَ مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهِ لَا تَصِلُ إلَيْكُمْ حَبَّةٌ مِنْ الْيَمَامَةِ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْيَمَامَةِ، فَمَنَعَ أَهْلَهَا أَنْ يَحْمِلُوا إلَى مَكَّةَ شَيْئًا، فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّك تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّك قَدْ قَطَعْتَ أَرْحَامَنَا، فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَمْلِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيِّ بِالْبَحْرَيْنِ، لِلَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ، مُنْصَرِفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ، وَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوك إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَك مَا تَحْتَ يَدَيْك، وَاعْلَمْ أَنَّ دِينِي سَيَظْهَرُ إلَى مُنْتَهَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ، وَخَتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ، وَدَفَعَهُ إلَيْهِ، فَخَرَجَ الْعَلَاءُ فِي نَفَرٍ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ، حَتَّى قَدِمَ عَلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى، فَدَفَعَ إلَيْهِ الْكِتَابَ، فَقَرَأَهُ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مَا دَعَا إلَيْهِ حَقٌّ، وَأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَكْرَمَ مَنْزِلَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْعَلَاءُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا رَأَى مِنْ الْمُنْذِرِ، وَسُرْعَةِ إسْلَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَرَرْت بِثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ الْحَنَفِيِّ، فَقَالَ: أَنْتَ رَسُولُ مُحَمَّدٍ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا تَصِلُ إلَى مُحَمَّدٍ أَبَدًا، وَأَرَادَ قَتْلِي، فَمَنَعَهُ عَمُّهُ عَامِرُ بْنُ سَلَمَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اهْدِ عَامِرًا، وَأَمْكِنِّي مِنْ ثُمَامَةَ، فَأَسْلَمَ عَامِرٌ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ كُلَّ مَنْ خَرَجَ إلَى وَجْهٍ، إنْ ظَفِرْت بِثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ فَخُذْهُ، فَخَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً فِي بَعْثٍ مِنْ الْبُعُوثِ، وَقَدْ أَوْصَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا كَانَ بِبَطْنِ نَخْلٍ إذَا هُمْ بِقَوْمٍ يَصْطَنِعُونَ طَعَامًا، وَفِيهِمْ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ، فَأَخَذَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً، فَأَوْثَقَهُ فِي جَامِعَةٍ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ أَبِي نَائِلَةَ، وَأَرْبَعَةِ نَفَرٍ مَعَهُ، فَلَمَّا أَتَى بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ فَرُبِطَ إلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ وَأَطْلَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَذَهَبَ إلَى حَائِطِ أَبِي طَلْحَةَ فَاغْتَسَلَ، وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ، ثُمَّ جَاءَ فَوَقَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، وَاَللَّهِ لَقَدْ كُنْت وَمَا وَجْهٌ إلَيَّ أَبْغَضَ مِنْ وَجْهِك، وَلَا دِينٌ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ دِينِك، وَلَا بَلَدٌ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ بَلَدِك، فَلَقَدْ أَصْبَحْت وَمَا وَجْهٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ وَجْهِك، وَلَا دِينٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ دِينِك، وَلَا بَلَدٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ بَلَدِك، وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: وَاَللَّهِ يَا ثُمَامَةُ مَا كُنَّا نَظُنُّ لَوْ أَنَّ حَنِيفَةَ بِأَسْرِهَا تَبِعَتْ مُحَمَّدًا أَنْ تَتْبَعَهُ أَنْتَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ بُرٌّ، وَلَا تَمْرٌ حَتَّى تُسْلِمُوا، أَوْ يَأْذَنَ فِيهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْيَمَامَةِ، فَحَبَسَ عَنْ قُرَيْشٍ الْمِيرَةَ، حَتَّى جَهَدُوا، فَقَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَأَلَهُ بِالرَّحِمِ إلَّا أَرْسَلْت إلَى ثُمَامَةَ أَنْ يُخَلِّيَ الْحَمْلَ إلَيْنَا، فَإِنَّا قَدْ هَلَكْنَا جُوعًا، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا إلَى ثُمَامَةَ أَنْ خَلِّ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ الْمِيرَةِ، فَلَمَّا جَاءَهُ الْكِتَابُ قَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، مُخْتَصَرٌ.
وَحَدِيثُ ثُمَامَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَيْسَ فِيهِ: «أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثُمَامَةَ أَنْ يَرُدَّ الْمِيرَةَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ»، أَخْرَجَاهُ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ»، الْحَدِيثَ.
ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي فِي بَابِ وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ، وَمُسْلِمٌ فِي بَابِ تَرْكِ الْأَسَارَى وَالْمَنِّ عَلَيْهِمْ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ: «يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عِنْدَك يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ، إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْت تُرِيدُ الْمَالَ، فَسَلْ تُعْطَ مَا شِئْت، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِثْلَهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُطْلِقَ، فَذَهَبَ ثُمَامَةُ إلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ وَاَللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ وَجْهِك، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُك أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَيَّ، وَلَا كَانَ دِينٌ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ دِينِك، فَقَدْ أَصْبَحَ دِينُك أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إلَيَّ، وَلَا كَانَ بَلَدٌ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ بَلَدِك، فَأَصْبَحَ بَلَدُك أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَك أَخَذَتْنِي، وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَأَمَرَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قِيلَ لَهُ: أَصَبَوْت؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاَللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، انْتَهَى.